• إستكمالاً االنقاط التي تم عرضها في المقالات السابقة فسنستعرض اليوم نقطة من النقاط الهامة التي ناقشها المستشار رامي عبد الهادي رئيس المحكمة السابق ودكتور القانون الجنائي والمحامي بالنقض  وهي (الطبيعة المكانية للجرائم الإلكترونية).
  • حيث أردف المستشار رامي عبد الهادي دكتور القانون الجنائي بأن الجرائم الالكترونية ذات طبيعة خاصة لا تحدها حدود ولا تخضع للإختصاص المكاني الذي تخضع له الجرائم العادية فهي جريمة ذات طبيعة خاصة وبالتالي لا يجوز ان يطبق عليها المعايير التقليدية التي تخضع لها الجرائم العادية فإنها ومن هذا المنظور تثير بعض الإشكالات القانونية من أهمها مسألة تحديد الإختصاص و القانون الواجب التطبيق،  فالجريمة هنا تقع في عالم إفتراضي الأمر الذي يجعلها في كثير من الأحيان تستعصي على الخضوع للقوالب والمعايير التقليدية للعقوبة وذلك لكونها جريمة عابرة للحدود.
  • فلقد ذهب المستشار رامي عبد الهادي المحامي بالنقض بأن مثلت الجريمة الالكترونية شكلا جديداً من أشكال الجريمة المستحدثة فقد أصبح الانترنت جزءاً طبيعياً وواسع النطاق من الحياة اليومية، مما أدي إلي تغيير طريقة التواصل وقد تم إجراء العديد من الدراسات التي أكدت أن عمليات الإحتيال في عالم الفيس بوك هي الأكثر تكراراً حيث يتم جذب الضحايا من خلال توجههم للنقر علي الروابط من شأنها أن تثير إهتمام أي شخص تقريباً ومثال ذلك أخبار الضحية بأنه قد فاز بجائزة مجانية أو هدية ويطلب منه بعض المعلومات الشخصية مثل رقم بطاقة الإئتمان.

ومن هذا المنطلق ووفقاً لما سبق فقد أوضح المستشار رامي عبد الهادي المحامي بالنقض ورئيس المحكمة السابق إلى أن من الثابت أن موضوع الإختصاص في الجريمة الإلكترونية و في غياب إطار تشريعي يحكمه وينظمه يتم التعامل معه وفقاً لقواعد الإختصاص المكاني وهذا ما يطرح جملة من الصعوبات، خصوصا أن مكان إرتكاب الجريمة الإلكترونية والذي يكون دائما في البيئة الإفتراضية غير الملموسة يختلف عن مكان إرتكاب باقي الجرائم التقليدية الأخرى في العالم المادي الملموس، لذلك فإن تطبيق القواعد التقليدية التي تحدد معايير الإختصاص لا تتلاءم مع طبيعة الجريمة الإلكترونية حيث يصعب تحديد مكان وقوع الفعل الجرمي في هذه الجرائم.

تطرح الجريمة الإلكترونية العديد من الصعوبات ألا وهي الحالات التي يتوزع فيها السلوك المادي للجريمة في أكثر من دولة كأن يقع السلوك الإجرامي في دولة في حين تتحقق نتيجته الإجرامية في دولة أخرى، ويكون بالتالي قانون كل دولة تحقق فيها أحد عناصر الركن المادي للجريمة قابلا للتطبيق ، مما يؤدي إلى تنازع ايجابي في الإختصاص بين أكثر من تشريع وطني و بين أكثر من دولة لملاحقة نفس النشاط الإجرامي ، كما في حالة ارتكاب فعل التهديد عبر الرسائل الالكترونية حيث قد يرتكب الفعل المادي في بلد ويتلقاه الضحية في بلد أخر بعد أن تمر في كثير من الأحيان بأكثر من دولة قبل وصولها إلى دولة الإستقبال.

وبتطبق ذلك نجد أن عند تشريع  القوانين المتعلقة بالاختصاص المكاني للجرائم كان قد شرعت  ذلك القوانين للجرائم القابلة للتحديد المكاني بالتالي لا ينبغي إعمالها بشأن الجريمة الإلكترونية و التي ترتكب في فضاء تنعدم فيه الحدود الجغرافية يبقى معها أمر تحديد مكان إرتكاب الجريمة في غاية الصعوبة الأمر الذي أصبح يتطلب إيجاد قواعد إجرائية تحكم مسألة الإختصاص في هذه الفئة من الجرائم بما يتناسب مع طبيعتها الخاصة

و أمام هذا الوضع أصبح الإحتكام إلى معايير الإختصاص المكاني التقليدية متجاوزاً أمام الطبيعة العابرة للحدود التي تتسم بها الجرائم الالكترونية، في ظل ظهور معايير أخرى مرتبطة ببعض الفئات المستهدفة من الجريمة الإلكترونية كما هو الحال في جرائم الصحافة و الجرائم المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية و الجرائم المتعلقة بالأحداث و المرتكبة عبر الفضاء الإلكتروني.

حيث إستكمل  المستشار رامي عبد الهادي رئيس محكمة مستأنف مدينة نصر سابقاً بحتمية و جود معايير جديدة لإنعقاد الإختصاص تتجاوز المعايير التقليدية التي يتم اللجوء إليه من أجل تقرير ضوابط الإختصاص في مختلف الجرائم العادية الأخرى، هذه المعايير مرتبطة بالخصوص ببعض الجرائم كما أشرنا إلى ذلك و كما هو الحال في جرائم الصحافة المرتكبة في البيئة الرقمية، حيث أنه من بين المعايير التي ظهرت إلى الوجود والمرتبطة أساسا بهذا النوع من الجرائم، المعيار الذي يعطي الإختصاص لمحل تمركز الموقع الذي نشرت الأقوال أو المعلومات بواسطته ، كما ظهرت معايير جديدة ترتبط بالجرائم الماسة بحقوق الملكية الفكرية ، كما هو الحال في جرائم التقليد عبر الأنترنيت حيث يرجع الإختصاص إما لمحكمة المكان الذي ارتكب فيه التقليد و إما مكان نشره ، أو معيار إمكانية الوصول للموقع كأساس لإختصاص المحكمة في حالة الإعتداء على حق من حقوق المؤلف من خلال الأنترنت.

بالإضافة إلى هذه المعايير تم إيجاد معايير أخرى مرتبطة أيضا بالجرائم المرتكبة ضد الأحداث حيث أن الإختصاص في هذا النوع من الجرائم ينعقد لمكان ارتكاب الجريمة، و مكان إرتكاب الجريمة هذا يأخذ المعايير التالية و التي يتم تقديمها بالأسبقية             وهي كما يلي :

  • المكان الذي شوهد فيه وجود الموقع غير المشروع أو الذي تم فيه مشاهدة الصور و النصوص ذات الطبيعة غير المشروعة.
  • المكان الذي يوجد فيه خادم الإيواء إذا ظهر بعد المعاينات الأولى أن الموقع يمكن تحديده من خلال التراب الإقليمي.
  • الملاحظ من خلال مختلف هذه المعايير المستحدثة أنها قد تجاوزت المعايير التقليدية لإنعقاد الإختصاص و جاءت بمفهوم جديد لمكان ارتكاب الجريمة الإلكترونية يتماشى و ينسجم مع طبيعة هذه الجرائم.

و فى نهاية الحديث أوصى المستشار رامي عبد الهادي دكتور القانون الجنائي بأنه   لابد من وجود تعاون دولي و تشريعات حاسمة لمواجهة هذا النوع من الجرائم و هو ما بات يستدعي بالإضافة إلى الآليات التشريعية إيجاد مقاربات وطنية تقوم على مبادئ التعاون الدولي لملاحقة مقترفي هذه الجرائم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *